المحاسب القانوني/ مجدي داود
بصدور قانون ٣٠ لسنة ٢٠٢٣ والذي يتضمن تعديلات جديدة على قانون الضرائب على الدخل ٩١ لسنة ٢٠٠٥، ثار لغط كبير وجدل واسع لم ينته حتى الآن بسبب المادة الثالثة من القانون المشار إليه، والتي لم إصدار تفسير لها حتى الآن أو تعليمات تنفيذية بشأنها كما لم يتم إصدار اللائحة التنفيذية للقانون حتى الآن.
وتنص المادة الثالثة من القانون ٣٠ لسنة ٢٠٢٣ على أنه "تربط الضرائب غير النهائية المستحقة في تاريخ العمل بهذا القانون على المنشآت والشركات التي لا يتجاوز رقم أعمالها السنوى عشرة ملايـين جنيـه وفقًـا لأحكـام المادتين (٩٣ و ٩٤) من قانون تنمية المـشروعات المتوسـطة والـصغيرة ومتناهيـة الصغر الصادر بالقانون رقم ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ وبما لا يقـل عـن قيمـة الـضرائب التي وردت في الإقرارات الضريبية لهذه المنشآت والشركات ، وذلـك دون الإخـلال بحق الممول في أن يختار أن يحاسب ضريبيا وفقًا للأحكام المقررة بقـانون الـضريبة على الدخل المشار إليه ".
وقد ذهب المهتمين بالشأن الضريبي إلى ثلاث اتجاهات في تفسير وفهم هذه المادة المثيرة للجدل، الاتجاه الأول هو أن هذه المادة متعلقة فقط بالمنشآت والشركات التي قامت بالتسجيل في صندوق تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والتزمت بكافة الشروط الواردة في مواد قانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبار أن المادة أحالت ربط الضريبة إلى هذا القانون، وهو الاتجاه الذي تأخذ به مأموريات الضرائب واللجان الداخلية حتى الآن.
ويمكن الرد على أصحاب هذا الاتجاه بأن المادة الثالثة في القانون ٣٠ لسنة ٢٠٢٣ إنما أحالت ربط الضريبة إلى المواد ٩٣ و٩٤ من القانون ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ ولم تتحدث عن الشروط والأحكام الموجودة في نص هذا القانون ومواده المختلفة، ولو كان المشرع يرغب في تطبيق شروط الخضوع لأحكام القانون ١٥٢ لذكر ذلك صراحة، أو لذكر في نص المادة "تربط الضرائب غير النهائية المستحقة في تاريخ العمل بهذا القانون على المنشآت والشركات التي لا يتجاوز رقم أعمالها السنوى عشرة ملايـين جنيـه -المسجلة في صندوق تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر- وفقًـا لأحكـام المادتين (٩٣ و ٩٤) ..... ".
كما قام المشرع أيضاً في المادة المثيرة للجدل بالنص على شروط ربط الضريبة وفقاً للمواد ٩٣ و٩٤ من قانون ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠ وهذه الشروط هي كالتالي:
- أن تكون الضريبة غير نهائية ومستحقة في تاريخ العمل بهذا القانون.
- ألا يتجاوز رقم الأعمال السنوي عشرة ملايين جنيها مصرياً.
وبالتالي فإن ادعاء أن المشرع أحال ربط الضريبة إلى قانون تنمية المشروعات الصغيرة بكافة الشروط المنصوص عليها في ذلك القانون هو ادعاء مخالف للحقيقة، حيث ذكر بعض الشروط في الما، فإما أن يذكر كافة الشروط التي يرغب في تحقيقها مجتمعة، أو يحيل المخاطبين بالمادة إلى نصوص القوانين والمواد الاخرى التي يرغب في تطبيقها، لكن ذكر البعض وترك البعض أمر لا يصدر عن إنسان على دراية بالقانون.
وانه لقد تواتر لدى قضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء محكمة النقض انه لا يجوز التوسع في تفسير النصوص القانونية وتحميلها ما لا تحتمل وتأويلها الى غير غايتها ولا يجوز اصدار تعليمات او لوائح تنفيذية تخالف النصوص التشريعية او تعمل على تقييدها وتخصيصها بغير سند في النص التشريعي وبناء على ذلك ليس من حق المصلحة او وزاره المالية تقييد النصوص العامة التي وردت في القانون 30 لسنه 2023 في المادة الثالثة حيث جاء النص عاما وفق شرطين اثنين وهما الا يتجاوز رقم الاعمال السنوي 10 ملايين جنيه سنويا بالإضافة الى ان تكون الضرائب مستحقه غير نهائية في تاريخ العمل بالقانون وبالتالي ليس من حق المصلحة ان تربط هذا النص بالشروط التي وردت في قانون تنميه المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
الاتجاه الثاني وذهب أصحابه إلى أن هذه المادة يتم تطبيقها على جميع وبدون شروط وسواء كانت الضريبة تخص فترات ما قبل صدور القانون أو بعد صدوره، معتبرين أن عبارة "في تاريخ العمل بهذا القانون" إنما قصد بها المشرع تطبيق القانون على الفترات السابقة أيضا بالإضافة الفترات اللاحقة.
ويمكن الرد على أصحاب هذا الاتجاه بأنه ثمة فارق بين أن ينص المشروع على أنه " تربط الضرائب غير النهائية المستحقة في تاريخ العمل بهذا القانون....." أو أنه "تربط الضرائب غير النهائية المستحقة بدءاً من تاريخ العمل بهذا القانون....."، وبالتالي فذكر المشرع للعبارة الأولى هي تحديد النطاق الزمني الذي ينتهي فيه استحقاق تطبيق هذا القانون، وتصبح الفترات الضريبية التي تنتهي بعد تاريخ العمل بهذا القانون غير خاضعة له، إلا إذا قامت بتوفيق أوضاعها وفقا لنصوص قانون ١٥٢ لسنة ٢٠٢٠، حينها يحق لها المحاسبة وفقا للمادتين ٩٣ و٩٤ من نفس القانون.
أما الاتجاه الثالث والذي أميل إليه وأقتنع به فهو أن هذه مادة استثنائية مؤقتة محددة نهاية نطاقها الزمني، حيث أرى أن هذه مادة لتسوية الملفات الضريبية المتراكمة على مدار سنوات طويلة خلت سواء كانت ملفات لم يتم فحصها مطلقاً أو تم فحصها ولا يزال النزاع فيها قائما، وهنا أراد المشرع ايجاد طريقة مبسطة لحساب المنشآت والشركات التي لا يتجاوز رقم أعمالها ١٠ ملايين جنيه سنويا وذلك حتى تاريخ العمل بهذا القانون، أما السنوات أو الفترات الضريبية التي ستنتهي بعد ذلك التاريخ، فلن تكون متضمنة في النطاق الزمني لهذه المادة.
ومما يؤيد هذا الاتجاه أنه إذا كان المشرع يرغب في تطبيق كافة الشروط الواردة في القانون 152 لسنة ٢٠٢٠ لما وضع هذه المادة من الأساس حيث أنه لا داعي أصلا لوضع مادة مكررة في القانون، طالما أن هناك مادة تفي بالغرض الذي يهدف إليه المشرع، حيث من المستقر لدى المحكمة الدستورية العليا أن المشرع لا يصوغ القواعد القانونية ليؤكد بها معانٍ تتضمنها نصوص قائمة، ولكن ليقرر بموجبها أحكاما جديدة - إحداثاً أو تعديلاً - لمصلحة يقدرها.
وقد صدرت عدة قرارات من لجان الطعن الضريبي بتطبيق نص المادة الثالثة المشار إليها على حالات لا تنطبق عليها الشروط الواردة في قانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وهو ما يؤيد ويقوي وجهة نظر أصحاب الاتجاه الثالث في فهم وتفسير هذه المادة.
ويتوافق ذلك مع ما ذكره الدكتور محمد معيط وزير المالية، خلال كلمته فى المؤتمر السنوي لجمعية الضرائب المصرية في يناير الماضي، من أن الحكومة تعد مشروع قانون لفرض ضريبة قطعية على ملفات النزاع الضريبي ينهى نحو 60% من حالات النزاع القائمة حاليًا، وأضاف معيط، أن هناك توجيهات من رئيس الجمهورية بضرورة تسوية جميع الملفات الضريبية خلال العام المالي الحالي، ومد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية حتى نهاية العام الحالي، وسيتم تقديم مشروع قانون بإجراء تيسيرات للتسوية.